كتبت : ربى مهداوي
إمراة عاشت حياتها من اجل لملمت جراحها – تركض وراء الايام لتبحث عن اولادها-- لتلم شملهم بعدما اجرهم والدهم مقابل مبالغ ماليه ضئيله – ضاقت الايام بوجها -- لا تعرف الى اين تتجه-- لتهرب من اهانه دائمه يلحقها اعتداء بالضرب عليها --- هواجس زوجها بين الحين والاخر بان زوجته والتي تتحلى بجمال يفوق التصور تخونه – لتظهر تجاعيد الزمن على وجهها وقهر الايام والسنوات التي عانتها--- ولتاخذها المنيه في نهاية مطافها – تاركه الايام والسنوات تتحدث عن معاناة لو سمعها الفرد لاعتقد انها من محض الخيال.
"ع،ه " ضحية عادات وتقاليد قد تمسك بها مجتمعنا وما زال يتبناها دون ادراك مخاطرها وانعكاساتها على الفرد، فقد عانت الضحية من زواج البدل بعدما رماها اهلها في كنف رجل يعاني من هواجس ومشاكل نفسيه مقابل ان يرتبط اخيها باخت زوجها المجنون. والذي اتهمها بالخيانه، تداخلت التخيلات مع واقع حياته لدرجة ان افكاره وهلوساته اصبح لديه واقع جازم، حيث كان يتبعها ويلاحقها اينما ذهبت من اجل ان يتاكد اذا كانت هلوساته صحيحه أم لا.
تدافقت معاناتها بعدما انجبت اربعة صغار لتاخذهم المنيه بسبب الجوع ولامبالاة زوجها، المعتاد على ان توفر زوجته لقمة العيش له، لتعيد ذكرياتها وتتحدث عن ابنها الاكبر والذي كان آيه في الجمال، طليق اللسان، موضحه سبب موته والذي يعود الى اللعب بالشارع واصطدامه بآلة حاده. فجرح اصبعه حينها وبسبب بيئة الفقر وانشغال الام بالعمل ولاهمال الوالد ادى الى اصابته بالغرغرينا والموت بعدها.
وبعد سنوات انجبت ثلاثة اولاد وابنة، ولم يتوقف عن اهانتها وضربها بشكل مبرح لدرجة انها كانت ترفع يدها للسماء وتقول" يارب إطلّع، يارب إطلّع، الخشّه صغيره والباب مخلع، الخشّه صغيره ومافي حصيره، والكبرة كبيره على ابن الملعونه".
وفي إطار المشاكل التي احاطتها فضلت الخروج من هذا الكابوس اليومي والعودة الى منزل والدها، وبدلا من ان تجد الحماية والرعاية تم طردها وارجاعها الى المنزل خوفا من ان يعيد اهل زوجها ابنتهم. ولكن صممت الضحيه ترك زوجها لتبحث عن ملجأ يأويها مع أطفالها دون أن تدرك بأنها حامل بشهرين. وعندما رفضت الزوجة العودة الى منزل زوجها مقتنعة تماما ان حياتها معه مستحيله، سرق الزوج اولاده الاثنين وهم عائدين من المدرسة ولم يكتف بذلك بل بعث الصغير الى رام الله عند مبيض ليستاجره كأي قطعة قماش مقابل دينارين في السنه، اما ولده الاوسط فقد اجرّه عند راعي غنم في كفر راعي من اجل استفزاز زوجته وقهرها.
كما توجه الزوج الى الاتفاق مع اخته واخ الضحيه من اجل التخلص منها وزجها في السجن من خلال ابنها الاكبر، والذي كان يتحلى بذكاء عال ومن الاوائل في المدرسة، حيث تم اقناعه بان يضع حجاب داخل زير الماء حتى يعود لم شمل العائله. فلم يدرك الابن حينها ان ما يضعه ليس حجاب وانما سم.
وبعد ساعه تماما جاء خاله وابلغه ان الشرطة تبحث عنه لانه وضع السم في الزير ويجب ان يهرب ويخرج من البلد ليقدم له جواز السفر ودينار من اجل الاسراع بالهروب ، علما انها خدعه من اجل التخلص من الابن والقدرة على اتهام الضحيه بانها هي من وضعت السم من اجل قتل اولادها. وبعد هروب الابن وابلاغ الشرطة تم التحقيق بذلك واكتشاف انه لا يوجد قضيه بالاساس. ولكن بعد فوات الاوان وهروب ابنها دون ان تعلم الى اين ذهب.
وبعد تفرق اطفالها عنها ومحاولة البحث عن ابنها الاكبر دون ان تعلم اذا كان على قيد الحياة، ومحاولة استرجاع اولادها الصغار والذي باء بالفشل، تفاجأت بان اخيها وزوجها قد اتفقوا على تزويج ابنتها والتي لم تكمل 12 عاما مقابل ان يتزوج زوجها من اخت زوج ابنته.
وفي احدى الايام وبعد فترة من الزمن في ظل حياة قهر تعيشها الضحية نتيجة فقدان اولادها، وبمحض الصدفة، سافر احد اولاد البلد الى سوريا من اجل استكمال دراسته. وهناك التقى بالابن الاكبر للضحيه بعد هروب سنوات من وهم قد اعتقد للحظة انه حقيقه، ليكون ابن البلد حلقة وصل بين الام والابن الاكبر.
طلب الابن الاكبر من والدته ان تكمل اجراءات جواز السفر له حتى يتسنى له التنقل بحرية تامه، وعندما ذهبت لاكمال الاجراءات اكتشفت انها بحاجة الى رقم جواز زوجها. للتوجه حينها الى المختار من اجل مساعدتها. وما كان السبيل الا الاتفاق على حيله من اجل تحصيل الرقم. حيث اقنع المختار زوجها بان الحكومة تريد ان تهدم بيته ويجب عليه ان يقدم اوراق ثبوتيه بهويته الشخصية لهم. ومن خلال تلك الاوراق استطاع المختار الحصول على رقم جواز السفر. وبعد اتمام الاجراءات ارسلت له جواز السفر لينتقل ابنها الى الكويت من اجل البحث عن عمل مناسب له. وبعد 9 سنوات في الكويت عاد الى وطنه من اجل رؤية اخوته وامه.
وبعد العودة الى الكويت وانتهاء مدة الاجازة ارسل ابنها الاكبر رساله يطلب منها ارسال اخوته ليعيشوا معه بدلا من ظروفهم القاسية التي يعيشونها، لتقع الام بحيرة من امرها كيف من الممكن ان تخلص اطفالها من ايدي المستاجرين والمستغلين دون ان يعلم زوجها بذلك.
توجهت الضحية الى محل المبيض من اجل اطلاق سراح ابنها ولكنه رفض ذلك فما كان من الامر الا ان تتوجه هي والمختار الى الشرطة من اجل رفع قضية على صاحب المتجر. وبعد التحقيق بالموضوع واستجواب الابن للتاكد اذا كان يريد السفر الى اخيه ام لا تم اطلاق سراحه. وعند العودة مع ابنها الى المنزل ادركت ان الاب قد يعود وياخذ ابنها منها، لذلك خبأته في قن الدجاج طوال الليل ومع طلوع الفجر تم ارسال ابنيها الى الكويت قبل ان يعلم زوجها بما فعلت. لبيقى اولادها غائبون عنها مدة 6 سنوات.
اراد الاولاد ان تعيش والدتهم واختهم الصغيره معهم ، لتلبي الام مطلبهم وتذهب للعيش معهم، وبعد سنوات طويله استطاعت العائلة ان تعيد لم شملهم بكنف امهم، ولكن الفرحة لم تكتمل فالابن الاصغر فضل ان ينتمي الى الفدائيين في منظمة التحرير الفلسطينيه دون اعلام اهله. فقد سافر بالخفيه، وعند وصوله الى الاردن بعث مرسال ليعلمهم بانه قد انضم الى الفدائيين ولكن سرعان ما حرك قلب الام خطواتها لتسافر الى الاردن لتلحق بابنها وتطلب مقابلة الرئيس ياسر عرفات "رحمه الله" ، وعندما اعلمته بقصتها تعاطف معها وحياها على شجاعتها واتصل بالقوات من اجل احضار ابنها. ليقدم له 10 ايام اجازة من اجل رؤية اهله. دون ان يعلم ان ايامه قد تقاربت على الانتهاء.
وعندما خلدت الاخت الصغيره الى النوم حلمت بان رصاصة قد اصابتها بالاضافة الى الشعور بالالم. فاستيقطت من النوم خائفة لتروي لامها حلمها. فبكت الام بشدة وقالت ان ابنها الفدائي استشهد، خاصه انها في الماضي حلمت بنفس الحلم وجاءها خبر استشهاد اخيها. وفي اليوم التالي جاء خبر استشهاد ابنها وتم ادخال جثته ودفنه في مقبرة الشهداء في الوحدات بعمان يوم 4/6/1970.
وعادت الاسرة متفككه مرة اخرى فالام فضلت العودة الى الضفه، والفتاة الصغيره بقيت مع اخيها من اجل تربيتها، ومع مرور الايام نجح اولادها بتكوين اسر متماسكه دون اي مشاكل. ولتجد نفسها الضحيه بعد فترة من الزمن مقعده نتيجة الارهاق والتعب والعمل طيلة حياتها مما داهمها المرض ولم يفلح علاجها. لتبقى تنتظر يوم لقاء ربها حتى توفتها المنيه في 20/10/2008 .
لتبقى حياتها ومعاناتها ذكرى تمحاها الايام